كيف استطاعت تركيا القضاء على ديونها في فترة قياسية
تركيا من أكثر الدول الاسلامية حضارة وعراقة ،ولها تاريخ قديم مع المسلمين عامة ،لأنها كانت مهد وبناء الخلافة العثمانية ،وهي من الدول التي تقع على الحدود بين قارة أسيا وقارة أوروبا .
في هذا المقال سنتاول ديون الجمهورية التركية ،وكيف تغلبت تركيا على هذه الديون وكم بقى منها وما هي الاجراءات التى اتخذتها تركيا للتقليص من حجم الديون على الجمهورية التركية .
تركيا والعالم الاسلامي
ان لتاريخ تركيا في العالم الاسلامي له ذكريات جميلة وذكريات أليمة ،لإن الناظر الى تركيا يستذكر مباشرة الخلافة العثمانية ومجدها وفتوحاتها ،ومواقف السلاطيين العثمانيين من الازمات الاسلامية عامة ،وكيف كانوا يتعاملون مع هذه الازمات ويدرونها بحكمة وعناية ،لأنهم كانوا هم الأوصياء على العالم الاسلامي بحكم الخلافة والامارة الاسلامية .بقيت هكذا الخلافة العثمانية حامية لحمى العالم الاسلامي والدفاع عن قضاياه ،الى أن ضعفت ووخر في عظمها السوس ،وتآكلت قوة ردعها ،وتم توريط الخلافة العثمانية بالحرب العالمية الاولى ،ليكون هذا اخر مسار في نعشها ،ولتفكيك قوتها وجيشها .
كيف استطاعت تركيا القضاء على ديونها في فترة قياسية
الى جانب ذلك تآمر حكام العرب على استئصال الحكم العثماني وانهائاه بدعوى التحرر والاستقلال من الحكم العثماني الجائر ،وقد أطلق حكام العرب على تلك الثورة "الثورة العربية الكبرى " للتحرر من الخلافة العثمانية .ومما جاء في نص بيان الثورة العربية الكبرى ما يلى "هدفت الثورة، كما نصّ عليه في ميثاق دمشق، وفي مراسلات الحسين مكماهون التي استندت إلى الميثاق، على خلع طاعة الدولة العثمانية، وإقامة دولة عربية، أو اتحاد دول عربية يشمل الجزيرة العربية نجد والحجاز على وجه الخصوص وسوريا الكبرى عدا ولاية أضنة التي اعتبرت ضمن سوريا في ميثاق دمشق مع احترام "مصالح بريطانيا في جنوب العراق" وهي المنطقة الجغرافية التي تبدأ في بغداد وتنتهي بالساحل الشمالي للخليج العربي." (1) .
تركيا بعد الحرب العالمية الاولى
بعد ما وضعت الحرب أوزراها وخسارة الدولة العثمانية لكثير من أراضيها وممتلكاتها العامة ومصالحها المنتشرة عبر الوطن العربي والغربي ،تقاسم المنتصرون في الحرب غنائم الدولة العثمانية ،وقسموا أراضيها ورسموا لها الحدود وألغوا اسم الخلافة العثمانية ،وأبدلوها باسم الجمهورية التركية وتم الاعتراف بها دولياً وترأيس مصطفى أتاتورك رئيساً للجموهرية التركية .وكان من أبرز نتائج خروج الدولة العثمانية من الحرب العالمية الاولى وهزيمتها ،توقيعها على اتفاقية لوزان ،والتي بموجبها تم تقسيم اراضي وحدود الدولة العثمانية .
كيف استطاعت تركيا القضاء على ديونها في فترة قياسية
ومما جاء في بيان اتفاقية لوزان الشهيرة ما يلى "حددت المعاهدة حدود عدة بلدان مثل اليونان وبلغاريا وتركيا والمشرق العربي. تنازلت فيها تركيا عن مطالبها بجزر دوديكانيسيا وقبرص ومصر والسودان والعراق وسوريا، كما تنازلت تركيا عن امتيازاتها في ليبيا من معاهدة أوشي بين الدولة العثمانية ومملكة إيطاليا في 1912 ،في المقابل، أعيد ترسيم الحدود مع سوريا بما يشمل ضم أراض واسعة وتضم من الغرب إلى الشرق مدن ومناطق مرسين وطرسوس وقيليقية وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش واورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر." (2) .بعد خروج الدولة العثمانية من الحرب العالمية الاولى وتحويلها الى الجمهورية التركية ،بدأت المضايقات على الدولة التركية بهدف الانتقام منها وتركيعها وامعان الفقر فيها حتى لا تقوم لها قائمة مرة اخرى ،ومنها بدأت أزمة الدولة التركية مع الديون.
تعثر تركيا بالديون
لاشك بأن اقتصاد أى دولة يقوم على الاقتصاد المحلى ، من ايدى عاملة ومواد خامة موجودة داخل البلد ، ولا يقوم اى اقتصاد في العالم لاى دولة حتى الدولة المتقدمة والتى كانت قبل البدء بالثورة الصناعية والاقتصادية ،لا بد لها بأن تحتاج الى قروض مالية من الدول الصديقة او حتى من صندوق البنك الدولي المركزي .هناك عدة عوامل وأمور فاقمت دين تركيا نذكر منا على سبيل الحصر فقط :
- خروج الدولة التركية حديثا من الحرب العالمية الاولى
- الزام تركيا الحديثة بعدة بنود واتفاقيات تقلص فرص استخدام موارد تركيا الطبيعية
- كثرة الانقلابات العسكرية التي حدثت في البلاد
- انهيار العملة التركية مقابل العملات الاجنبية
وحتى تقوم تركيا على أقدامها وتستطيع ان تبني نفسها وتتعافى من الازمات التي مرت بها ، قررت الحكومة التركية في عام 1958 م الاقتراض من صندق النقد الدولي ،والذي بدوره قام باقراض الحكومة التركية على عدة سنوات بمبالغ وصلت الى مبلغ 16 مليار دولار أمريكي ،حتى سنة 2002 م .
ولم تكتفى تركيا بذلك ،بل استعانت ببعض الدول الصديقة والتى تربطها بعلاقة قوية ،وايضاً بالشراكات الخاصة لجلب اموالها من اجل النهضة بالاقتصاد التركي المنهار .
وقد بلغت ديون الجمهورية التركية ،بشتى اختلافتها التى تعددت منها الاستدانة ،"بحلول نهاية عام 2017، بلغت ديون الشركات التركية بالعملة الأجنبية أكثر من الضعف منذ عام 2009 حيث وصلت إلى حوالي 214 مليار دولار، أما إجمالي الدين الخارجي التركي العام والخاص فقد بلغ 453.2 مليار دولار في نهاية عام 2017. في آذار/مارس من عام 2018، كان من المقرر أن يتم سداد 181.8 مليار دولار من الديون الخارجية العامة والخاصة في غضون عام لكن هذا بات مستبعدا للغاية بسبب الأزمة المالية وانخفاض قيمة العملة. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الأسهم المحلية التي يمتلكها غير المقيمين في تركيا بلغت 53.3 مليار دولار في أوائل آذار/مارس بعدما كانت 39.6 مليار دولار في منتصف مايو، ونفس الأمر حصل بالنسبة للسندات الحكومية المحلية التي بلغت 32.0 مليار دولار في أوائل آذار/مارس وانخفضت إلى 24.7 مليار دولار في منتصف مايو. انخفضت ملكية غير المقيمين بشكل عام للأسهم التركية والسندات الحكومية وديون الشركات من مستوى مرتفع بلغ 92 مليار دولار في أغسطس 2017 إلى 53 مليار دولار فقط في 13 يوليو 2018." (3) .
تركيا والنهضة الاقتصادية
كان من الصعب على اى حكومة تاتي بعد الحكومة التى تليها ،وتجد كمية العجز الكبير الموجود في الموازنة العامة للدولة ،أن تستمر بوجود هذا العجز وألا تلصحه أو حتى تقلص من هذا العجز الموجود .الى أن جاء حزب الحرية والعدالة الاجتماعية وفاز بالانتخابات التركية التشريعية والرئاسية ، ومنذ تلك اللحظة وضع الحزب في نصب عينه تخليص تركيا من الديون التى عليها خاصة لصندوق النقد الدولي ،والارتقاء بتركيا من القاع الى الاعلى .
فقد استخدم الحزب طريقة تقشف من اجل عمل اصلاحات جوهرية في الدولة التركية ،وعمل على جلب السياح والتجارة العالمية ،وايضاً فتح المجال للاستثمار داخل الاارضي التركية ،وإعطاء المستثمرين بعض المزايا المغرية ،منها على سبيل المثال منحهم الجنسية التركية والاقامة لمدة خمس سنوات ، وايضاً شجعت الدولة التركية المواطن التركي على الاستثمار داخل وطنه وعملت على تأمين له التجارة وحمايتها ،كل هذا ساعد في ارتقاع تركيا وتقدمها في ظل الدول الصاعدة في النمو الاقتصادي ،لتصبح تركيا وفي ظرف 20 عاماً من الديون التي أثقلت كاهلها على مر السنين السابقة من الدول العشرين التي لا يوجد للصندوق الدولي عليها اى قرض دين .
كيف استطاعت تركيا القضاء على ديونها في فترة قياسية
فقد أعلن الرئيس التركي رجب اردغان بقوله "أننا سددنا كل المبالغ التي علينا للصندوق الدولي منذ العام 1958 م ،والتى تبلغ 16 مليار دولار أمريكي ،واننا طوينا هذه الصفحة السوداء من تاريخ تركيا .جدير بالذكر أن تركيا اليوم من اكثر الدول الصناعية الاوربية المتقدمة حديثاً ،ويعد ترتيبها رقم العشرين في الدول الصناعية ،ولكن هناك بعض الظروف والتي تمر بها أي دولة من حين الى اخر تعرقل هذه الثورة الصناعية الكبيرة .
وبجسب خبراء مختصون في الجانب الاقتصادي فإن تركيا اليوم أصبحت على بر الامان بسدادها لمعظم الدين الذي عليها .
أهم المراجع :
(1) الثورة العربية الكبرى(2) معاهدة لوزان
(3) العملة التركية وازمة الديون
كيف استطاعت تركيا القضاء على ديونها في فترة قياسية
كان هذا المقال زورانا الاكارم من اعداد موقع الدليل ،ونتمنى ان يكون قد نال اعجابكم ،ولا تنسوا زيارة موقعنا لكل ما هو جديد .